Thursday, October 6, 2011



















الغالي كدمع المحبين .. عباس
من وحي هذه الصورة التعبيرية
تجدني أجلس معك في اشتياق
هذه أرضية حوشنا الكبير .. وعلى هذا الرمل كم جلسنا
كم ضحكنا .. كم بكينا وتناجينا .. وحدثنا الماضي وما رحل به .. والحاضر وما يحمل .. وذاك المستقبل الآتي وما يحتمل ..
كم صبرتَ أنتَ على علمي وجهلي .. كم صبرت على جِدِّي وهزلي .. وكم ردعتني على سخفي وترهاتي .. وكم كنت أنا بذلك سعــــيد
كم ألجمتني بقولك ( أعمي ما بتشوف .. حيوان ما بتعرف .. أبله ما بتفهم ) وما أكثر ما كنت أنا أعمي وأبله وحيوان .. نعم
تجدني اليوم أحبك أكثر .. أحبك أكثر من أي وقت مضى
أحبك .. كما أحب ليلي وعلا وملاذ وجيهان ووجدان وريان
أحبكم .. فأنا لا أملك غيركم .. أنا فقير إلا بكم
هذه الجلسة الهادئة تذكرني بطمأنينة بلادنا .. حيث لاهم ولا خوف ولا قلق .. وأموت أنا في هذا السجال مرات وأحيا وألمح الأشباح في جوف الضباب فأرتوي فرقاً
هذه الرمال الرطبة أفتقدها وأنا هنا داخل الغرف المكندشة بالفريون تحت الوسائد الوثيرة والألوان المخملية
هذا الجلباب الأبيض .. يذكرني بضميرك وستائر روحك الشفافة .. حيث الناس هنا باعوا ضمائرهم لقاء حفنة من الريالات وماتت أرواحهم بفعل التراكم والروتين والواقع العبيط
هذا الجلباب كم ارتديته وتلفحت بعمامته وانتعلت هذا المركوب ومشيت به الخيلاء لا تفاخراً بل عزَّاً بكم
أحدثك اليوم وقد رحلت سوزان بالأمس مأسوفاً على شبابها وأطفالها .. رحلت وما تزال كل الأرواح تنتحب عليها
رحلت كما رحلت قبلها سارة وعزة .. ومثل ما رحل ابراهيم
رحلوا والحزن يبقى عليهم أبداً .. فأنا لا أقوى أن أتمثل قول حكيم الهند طاغور وهو يقول "الزهرة تذبل وتموت .. وعلى من يحمل الزهرة ألا يبكيها طويلاً"
أحدثك اليوم وتبدو خيبات العمر فاضحة
والانتكاسات العاطفية كاسحة
وفي الأعماق ألف جرح وجرح
كل شي أضحي بعيداً .. وطني .. أهلي .. وحبيبتي
هل قلت حبيبتي؟
حبيبتي ! تلك الرياَّنة المغسولة بماء الكوثر
تلك الفتاة النائية التي يفصلني عنها بحر من الملح وبحر من الدموع
بارك الله أياماها وعطَّر كل ثرى تمشى عليه .. وأنا هنا بوادي غير ذي زرع

بالأمس في عيد الحب .. تراكضت كطفل مع جموع المحبين واشتريت وردةً حمراء
كنت سعيداً وأنا أغني مع العشاق .. كأنني منهم !
وعندما انتصف النهار ومضى كلٌ لبغيته .. وقفت وحيداً أشعث أغبر
لمن ترى أغني؟
لمن أبث فني؟ وفرحتي وحزني؟
ولمن أهدي وردتي؟
وفي نهاية النهار ذبلت الزهرة وماتت! مثل كثير من الأحلام .. مثل كثير من الخطي التي مشت ولم تصل
ماتت الزهرة


قبلتها بحنان .. وصرت أردد
ومهما تبعد الأيام تلملم خطاويها
تلقيني وحيد حفيان أجري وأباريها
أطارد خيال ناساً حنان غناهم كان محليها
وألاحق ظلال زولاً بعيد شال الدنيا والفيها

Saturday, July 5, 2008

وفاء



في جيد الزمان إكليل للراحلين
الذين يسقون الدرب بماء الحياة
الذين يأتون كأمطار الله
لا تختار ناحية السقيا
..تأتي كما يأتي الورد بالشذى ..وكما تأتي الشمس بالضياء ....يأتون ..وإن رحلوا لا يرحلون
...
..
.
مثل بندر شاه
جاء كحلم ورحل كغيمة
لا ندري من أين جاء
..عامل صحة بسيط كان يكنس شوارعنا وقلوبنا من كل أذى
رحل فبكته الشوارع والأشجار والبلابل
بكته الابتسامة التي كان يضعها على شفاه الصباح .والقبلة التي كان يزين بها وجنات الأطفال
جاء نقياً كالفجر
ورحل جميلاً كالأصيل
جاء طاهراً كالملائكة
ورحل بريئاً كالأطفال
جاء غريباً .. ورحل غريباً فطـوبى للغرباء
...كان في كل صباح يطل بابتسامة
يحلق حوله أطفال المدارس قبل طابور الصباح .. ونشيد أمتي يا أمة الأمجاد والماضي العريق
يتحلقون حوله وبابتسامة أب حانية يشتت لهم حلاوة دربس ويغني .. فيغني الصباح .. وتجف ألف دمعة حزن وفاقة
كوكين جاء ..يا أحبابو
كوكين جاء .. يا جلابة
شوف عيونو .. كوكين جا
شوف سنونو .. كوكين جا
برم شنبو .. كوكين جا
لولح ضنبو .. كوكين جا
واعمل حسابك
واعمل حسابك
واعمل حسابك
ثم صرخة بريئة .. يصرخ معها كل أطفال المدارس فيضحك الصباح ..وتبتسم العصافير والحمائم والقماري ..وينسى الشارع أحزانه لحين ..
..
ألا رحم الله العم هارون ود راشد الأب الروحي لأكثر من عشرة ألف طفل ..رحمة واسعة وصلت عليه الملائكه وذكره الله فيمن عنده ..
.

باقٍ أنت يا هارون ..في القلوب والحنايا ..في رواكيب الذاكرة .. في حكايا الأطفال ..في أبواب المدارس .. في القراطيس ..وفي ألف باء تاء ثاء ...

Saturday, March 15, 2008

.. شمالاً

.. في رحلته الخالدة .. يمضي النيل بعمق التاريخ .. إلى محطته الأخيرة في الأراضي السودانية
.. هناك تصفق أمواجه وتلوِّح مراكبه بأشرعة الوداع في حلفا القديمة
هنا كان لحلفا شرف وداع النيل معبأ بنسيم وملامح السودان ومحملا برسالة إلى بحار العالم عنوانها جئتكم من "الخرطوم" بحبٍ عظيم
.. ومع المجتبى في نعيه نردد نحن في وداع النيل
.. هات لي منظار حدثك والتجلي
.. والنبوءات المبنية والصفاء
.. وحين ينكشف الغطاء
.. من لي برؤياك الحبيبة ..غارقا في النور ..في غيب السماء
.. في مدى الصحراء منداحا
.. وفي الغاب المموسق .. من زئير الأسد .. والريح الغضوب
.. همهمات الوحش والطير المغرد واللعوب
.. وشوشات الغصن أو همس الحفيف
.. وبمثلما ودَّع أهل حلفا النيل ليواصل رحلة الخلود ..كانوا قد ودعوا حلفا القديمة إلى حلفا الجديدة
.. هكذا .. وداع .. في وداع .. لا ماء يروي .. ولا نداء يجدي .. ولا لقاء
ودعوا نبتة .. ترهاقا .. وبعانخي .. فارقوا النيل والصحراء ..مسحوا دموع موتاهم في قبورها .. دفنوا ذكرياتهم ..حملوها حفنة من تراب .. إلى حلفا الجديدة
جاءوا .. الي المزارع والخضرة وهواء المطر .. ولسان حالهم يقول أيلطف النيران طيبُ هـــواء


.. جنوباً

إني رأيتك في جوبا .. عبقا من الغابات يرفل في الضياء )
(شمسا تزوجت للتو وأنجبت خط الاســتواء
.. جوبا .. شمس نحاس .. وبحر قرمزي
.. رجال كالبرونز .. سواد ملوكي ونساء أنجبن حين غنت الطيور في جنات عدن
ستعود جوبا الجريحة ..ستعود جوبا حبيبة الحياة .. ستعود بطعم التاريخ على أشرعة النور وسنا الأقلام ومرافيء الاستقرار ..ستعود لجوبا أعيادها وليالي الزفاف الجميل .. لمزارع البن والشاي في ( ياي ) أيامها وأغانيها العذبة ..وسنأتي من السوباط .. بحر الغزال .. بحر الجبل .. جونقلي .. وبحيرة نو ..وسنذهب إلى ملكال .. واو .. بور .. توريت .. كاجوكاجي .. نمولي .. إلى .. ( سرسيو ) و (كتري ) و ( مندري ) و ( بازي ) .. بأفراح الخريف ورقصة المطر ..ونعزف لبتهوفن سيمفونية "نهاية الحرب" ..ونغنى مع (كيلا) وكورال الدينكا والنوير والشلك واللاتوكا والباريا والانواك
.. سنغني جميعا " صديقنا منقو ".. نحن روحان حللنا بدنا .. منقو قل لا عاش من يفصلنا
.. ونرقص مع (النور الجيلاني) جبل لادو كل الشافوا ابدا ما نسوا
.. جبل الرجاف الما بنشاف
.. تقبل جاي تداعب في غصين الشاي .. هاي هاي تقبل جاي تراقص في جنا البابا
.. سنغني مع التاريخ ..مثلما استشهد في مدفعه عبد الفضيلعبد الطيف وصحبه
.. غرسوا النواة الطاهرة ونفوسا فاضت حماسا كالبحار الزاخرة
.. من أجلنا اقتاتوا المنايا
.. غنوا لهم يا اخوتي ولتحيا ذكري الثائرين
: ومع مصطفى سند نردد
.. في الصدر تنهشني دوارك يا سهول
.. ويا جروف ويا مراعي
.. أنا من وثاق العرف محلول الشراعِ
.. أبكي وأضحك لا يبين تبذلي العاري ولا يبدو ضياعي
.. أنا في جحيم الغاب في أبدِ التلاحم والصراعِ
.. غنيت للسود .. للعائدين من الحدود للشمس تغسل بيتنا العالي من مطر البنادق
.. لمن ماتوا ومن يبسوا على أعواد المشانق ..أنا في الطريق إلى الشمال
.. وأنا فى الطريق إلى الجنوب ..أعزكم أبدا وأحلم أن ألاقيكم .. بلا جسر يحول ولا عوائـق


جوبا .. شمس نحاس .. وبحر قرمزي
.. رجال كالبرونز .. سواد ملوكي ونساء أنجبن حين غنت الطيور في جنات عدن

Wednesday, March 12, 2008

شرقاً

كأنني أحارب عفريتا من الجن .. دقنة : لك شرف الخصومة" ضابط انجليزي "
..
.
.. الشرق
.. عثمان دقنة .. التاريخ والبطولة
.. بورتسودان .. عروس البحر يا حورية .. بوابة التاريخ .. نداء المواني .. ليالي الحبور
.. سواكن .. الشناوي .. سحر البكور .. عبق الأساطير
.. أركويت .. ائتلاف الغيمة والشتلة .. النسيم "الهب شرقاوي" .. الخيال .. وجدان الغناوي
.. سنكات .. جبيت .. الهبباى ..معاني الريد
.. كسلا .. ومحي الدين الفاتح
.. جئت اليك مشتعلا
.. حدائي هاتف يشدو إلى كسلا
.. إلى البلد التى أحببت حبا لو تنزل على جوانبها لأخفي الجسر والجبلا
.. تاجوج والمحلق .. الهوى والذي يزيد النار اختيالا
.. لا .. لا .. ثم لا ..لا .. الا تعلمين أن الهوى يزيد النار اشتعالا
..
.. الحلنقي .. ابراهيم حسين
.. فاتوا يا عيون البنفسج فارقوا الأحباب طريقنا
.. وطلَّ احساس بالأسية ورش غيم الحسرة فوقنا
.. لمتين فرحنا على التلال انحنا تائه بينا شوقنا
.. بكرة ترحلي من ديارنا الزاهية .. ترحلي يا دموع
.. وتنسى يا طفل الأماني .. يا حنان غمر الضلوع
.. تنسى بالرجوع كلمة وداعنا .. يا حلاة اسم الرجوع
..
.. الشرق .. موج المواويل العذبة وانسياب التواريخ
..
.
.



غرباً

.. جبل مرة
.. والسلام لدارفـــور ألف مرة
..
.
.

Tuesday, March 11, 2008

تقول لي الساعة كم؟
.. لو كنت عارف الساعة كم
.. لو كنت فاهم
.. ما كان المواعيد صارت وهم
.. ما كان الرصيد في الجيب عدم
.. ما كان بكينا ليلاً طال
.. وحالاً مال
.. وما كان بتلقانا اليوم نخم
.. تراب بيتاً كبير مال وانهدم
..
.. زمان كنا بنعرف الساعة كم
.. لما كنا واحد
.. لما كان الحلم واحد
.. لما كان الدرب واحد
.. لما كان الغيم هو العشم
..
.. تقول لي الساعة كم
.. الساعة لحظة رحيل الغنوة
.. والفرح والنم
.. ساعة تجيك زينوبة مكندكة
.. محزوم خشيمه ترسم دمعة
.. تكتم آهه تتألم
..
.. الساعة لحظة زمن ظالم
.. لحظة سفر فوق مدارج
.. الوجع والهم
.. والساعة عمراً كتبناه
.. فوق اللوح
.. ومشوار مشيناه .. قدم قدم
.. والساعة شتات كوماً كبير
.. رصَّيناه بالدموع والدم
..
.. والساعة يا سيد الاسم
.. رغم العتاب واللوم
.. الساعة لحظة حبورك
.. موسم خريف يهزم حريقنا ويبتسم
..
بس إنت .. قول لي الساعة كم؟
..
.
.

Monday, March 10, 2008

.. نفتقدك
.. أين أنتِ
.. يا زهو الأماسي الرائعة
..
.
.

.. نشتاقك
.. ولا ندري
.. كيف أضعناك
.. ثم عدنا لجحيم الفاجعة
..
.
.

.. تبعدين
.. لقاؤنا ودي
.. وبيننا تنمو الخطوط
.. والعشب الأخضر
.. وأشجار الزيتون
.. تبعدين
..
.. ويمتد سباق المسافات الطويل
..
.
.
.. ولن ندفن وردة الذكرى
..
.
.
.
.. بل
.. نزفها عروس في فستان الزفاف
..
.
.

Friday, February 8, 2008

.. غادة


القيادة بإهمال في طرقات الزواج

.. الأخت غادة

.. وصلت إلى مكتبي اليوم متأخراً على غير العادة
صيف الرياض حارق هذه الأيام .. درجة الحرارة في الصباح تتجاوز الأربعين درجة مئوية
تتكثف ذاكرة السنوات في ذهني .. تتجمع .. وتتلاقي أشجارها وأزهارها وتضاريسها .. وتضج عصافيرها لزيارة قريبة إلى وديان طال عنها الغياب
.. السودان
الوطن الواحد .. مراتع الصبا وحقول الذكريات
بخاطر مشحون بأشواق السفر .. دخلت مكتبي .. خففت خناق ربطة عنقي .. وأخذت نفساً عميقاً .. وابتسمت رشوة لليوم الجديد
كل يوم نأتي للعمل مثل يومنا الدراسي الأول بجسد ثقيل وهم كبير ويكاد المرء يصرخ ويقول "عايز ماما" زي ما بقول أنيس منصور
.. الحياة تقيدنا بسلاسل كثيرة
.. وتغرينا بمباهج كثيرة
.. ترهيب وترغيب
.. رحيق وحريق
.. عسل وأشواك

دخلت سودانايل .. قرأت السواقة بإهمال في طرقات الزواج .. وغادة عبد العزيز خالد .. (أختنا وصديقتنا الحنونة) .. عنوان موسيقي رائع يذكرني بلوحات التنبيه والمعالم الجميلة في الطرقات السريعة "أمامك منحنى" .. "خفف السرعة" .. "أكرم الطريق يكرمك الطريق" .. تذكرت التعامل الخشن مع الرقائق والتناول الفظ للقيم النبيلة .. تذكرت المحاذير والخطر وإشارات المرور والراغبين في دهاليز ذلك المشوار
تذكرت أمي وسؤالها المتكرر .. متى يا بني ستحملنا في قطار الفرح؟
.. كنت دائماً أقول لوالدتي
.. "يا حاجة أنا أعشق حريتي .. ولا أحب المغامرة في طرقات ربما لا تحتفي بقدومي وربما لا تكرم وفادتي
كنت أقول لها إنني أحمل قلباً رحيباً وحباً ربما يسع كل هذه الدنيا .. لدى ألف أغنية للحياة ومليون فكرة لأشكال الفرح .. ولكنني أخشى الطرقات المجهولة .. ولا أحب أن أكون ظالماً تطارده لعنات العدالة والضمير .. كما لا أحب أن أكون مظلوماً يرتوي بدمعه وينظر بمنظار الذكريات الأسود
لا شك أنني أتطلع "لامرأة نخلة تمنحني معني أن أحيا" .. نمضي معاً نصفف الورد في حديقة الحياة .. ولكن كيف لقاؤنا ؟
:قولي يا أمي لعصفورة في المجهول
.. آسف أديك احساس الزول الخايف
.. آسف .. وبس لو تعرف
.. انك شمسي الغايبة وحقيقة ظلي الزايف
.. آسف وبس لو تعرف انك عزمي الضائع
.. وشراعي الممدود للريح والبحر العاصف
.. شايف
.. شايف كيف بتوسد حزنك واعزف
.. بس .. آسف
.. لكن من دونك تبقى الدنيا لفايف
.. محروقة بي نار الوقت التافه
.. نبقى الليل الطوَّل وواقف
.. وتبقى القمر المالي الدنيا وما بنشاف

وحتى ذلك الحين بلِّغي يا أمي تحياتي لكل العصافير؟ "
..
.
.. تعرفي يا غادة
كثير من الناس لا يعرفون قيمة ما يملكون ويخونهم التقدير السليم .. فيرون الضفة الأخرى هي الأجمل زي ما الخواجات بقولوا

Its always green on the other side of the hill ..
.. كثير من الناس تأخذهم الأنانية .. وينسوا أن الحياة أحلى في العطاء
أسوأ الظروف تلك التي تفرض نفسها عليك ولا تستطيع التحكم في مساراتها .. تلك التي تطوي الدروب المستوية كالحبال وتخنق بها أمكانية الأمل
.. يحزنني الذين يزرعون النسيم ويحصدون العواصف
.. تحزنني الشتول اليانعة التي تجف في مزارع اللئام
.. تؤلمني دموع الظلم في الخدود البريئة
.. ويؤلمني أن أصدق "أن الدنيا محكمة لا عدل فيها"

.. نعم
.. إنها القيادة بإهمال ليس في طرقات الزواج فحسب .. بل في كل طرقات الحياة

.. شكراً غادة على تلك المقالة الرائعة
.. واللعنة على الذين يغتالون الفراشات التي تحلق في فضاءاتها البنفسج
.. والتحية للأوفياء الذين يزرعون كل يوم وردة في بستان الحياة
..
.

Sunday, January 13, 2008

.. يا للأسى .. قالت نبتة الصبَّار
.. الحياة تحاصرني .. مناخي صحراوي وجواري جبل .. يقتسمان ندائي وما تبقى من أمل
هل يحق لي أن أتساءل ؟
أن أرجو ارتحال جيوش الرياح البربرية من نافذتي ؟ وأن أضع دمعتي على وسادةٍ حانية ؟هل لي أن أحلم ؟ وأي حلم ؟ وهل لي أن أفكر ؟ ألم يقولوا "كلما زاد فكري قلَّ وجودي ، وكلما قل فكري زاد وجودي" ..؟ألست أنا مجرد نبتة متوحشة تعيش على صخرة مهملة ؟ أم أنها سفينة "باسكال" قد أبحرت وليس في وسعنا إلا أن نمضي ؟
مصيبتان في الحياة أن تعطيك ما تريد والثانية ألا تعطيك " .. أحقاً ما تقول يا اوسكار وايلد ..؟"
قلَّ ما تأتي تلك الأفراح التي ننتظرها في محطة ..وقلَّما يجيء أولئك الذي يضربون لنا موعداً . فيتأخر بنا أو بهم القدر .ولذا أصبحت أعيش دون رزمانة مواعيد ، كي أوفر على نفسي كثير من الفرح المؤجل) .. أين أنت يا أحلام مستغانمي؟
لا شك أني أثق بالقدَر .. وأضع مقود سيارتي في يده حتى وهو يدخن سيجارة ..دائماً نستقبله في غير ملابس الضيافة .. لمَ ؟ ألانه يأتي بدون مواعيد وأن حكمته المجيء بغتةً ؟ أم أنه الجهل بمفاتيح المعابر والحدود ؟
أتراني جميلة في هذه القفار؟أتراني أحسنت الاختيار؟ هل كنت سأبدو أجمل مثل تلك الصنوبرة لو كنت على حافة النهر .. تتخلل أصابع الرياح ضفائري وتضع المكياج على وجهي ؟ كنت دائماً نبتة صغيرة بأحلام كبيرة وربما كانت شجرة الصنوبر متخمة بنعماء كبيرة وبلا أحلام ..ربما لدي مشوار مرهق أسعد بتحدياته .. وربما تكون الصنوبرة بلا تحديات ولا قضية
من الذي يضع الأجوبة في حقيبة السفر الخالية ؟ أم أننا نبدو أجمل في بدلة السؤال ؟
وهذا العصفور ..أعشقه .. يزورني دائماً في نهايات المواسم .. عند بداية حصادي الخواء .. وفياً جداً للذكرى ..وعندما أسأله عن الرحيل وهل يمكن أن أحلًّق في الفضاء .. يجيبني ..دعك عن السماء .. ستعاني كثيراً إن تعلمتِ الرحيل ..ستبكي كثيراً إن رأيتِ كل الأشياء بوضوح ..ولكن ..أي رسالة يمكن أن أبلَّغها ؟أي أرقام يمكن أن أضيفها في كتاب الحياة ؟ على هذا الطريق مرت آلاف القطارات والسفن والعربات .. بعضها ترك أثراً على الصخر والماء والهواء ..وبعضها غادر بلا ظلٍ ولا صدى .."من هنا مرت آلاف الوجوه والأقنعة ..مرت آلاف الأنهار والطيور والمدن والكتب والهموم " .. أما تزال تنتظر قطار فرحك يا عدنان؟ما زلت تنتظر .."حتى أعشبت قدماك من الوقوف ..بائع السجائر نظر إليك .. هـزَّ كتفيه ..مضى الشرطي ساخراً ..بائعة الهوى التفتت مرتين .. ثم بصقت ..مفتش المحطة قال هؤلاء المجانين ماذا ينتظرون ؟"أنت هناك تنتظر أمام العابرين والساخرين .. وأنا هنا بجوار جبل .. أسأل ولا يجيب ..
..
.
وبينما هي على حافة السؤال والتأمل ..بين التضاريس الصخرية والدهاليز الفكرية وأنفاق المجهول ..إذا بكتلة تسقط من قمة الجبل ذهبت معها نبتة الصبار إلى مخزن التاريخ .. ولا عزاء إلا من صوت الريح وعصفور شريد
.. ذهبت كضفائر المساء
.. مضت كما جاءت .. ومعاول الحياة تبني وتهدم
.. وانقضى عمر قصير كابتسامة .. لم تعد عصافيره عند الغروب .. ولم تتسع مآقيه لدمعة
.. يا للأسى
..
.
يا للأسى
أهي صرخة؟ أم آهة؟
أهي احتجاج؟ استعلام؟ أم استسلام؟
أهي الحزن؟ أهي الرجاء؟أم هي الألم؟
أهي الوجود المفقود؟الحقيقة الغائبة؟ أم هي العدم؟
يا للأسى ..من ذا يعيرها عيناً للبكاء ؟
من يتنفس آهـتها ويملأ رئتيها بالهواء؟
من يمسح دمعتها؟من يملأ صحنها بالحياة؟
يا للأسى ..من يعود بشوارد الظباء؟
من يعرف الجبالَ والصحراء؟
من يغيب في عين حمئة؟
أو في الوادي المقدَّس ويعود بقبسٍ من ضياء؟
وهل إلا الأشقياء ..؟
الذين يتسلقون سلالم السماء فيتبعهم شهاباً رصدا؟
وأين الأوفياء ..؟جنود القلب والبحيرات الظِماء ؟
.. العارفين .. أبناء الحكمة
أم أنها الظلال المباركة والإشارة البيضاء؟
تفقدها عيون النهار وتدركها مصابيح المساء ؟
أهي نعم أم لا؟
هل ..كيف ..متى ..ولماذا ..؟أم أنها الرؤى العجفاء ؟
..
.

وهل لي أن أفكر ؟ ألم يقولوا "كلما زاد فكري قلَّ وجودي ، وكلما قل فكري زاد وجودي" ..؟
..
.
أهي العبثية؟ا
لوجودية؟
البراجماتية .. أم أنها اللغة الصماء؟
صمويل بيكيت؟
بول سارتر؟
وليم جيمس؟
أم أنها الفلسفة الجوفاء؟
وهل يشقى في النعيم بعقله؟
ويسعد ذاك في الشقـاء؟
هل خلقت لنا الحياة؟أم خلقنا لها؟
هل خلقنا لنموت؟
أم خلقنا لنحيا؟
هل الحياة موت أم الموت حياة؟
أم باسكال وسفينة الفضاء ؟
وهل الموت إلا معنىً للبقاء؟
.. يا ساقية الريح مهلاً
.. وقفي يا طواحين الهواء
.. ببابك قد مرَّوا منذ آلاف السنين .. ويمرون لنافذة السماء
.. كلهم ..البواب والحطّاب
.. الجاهلون والذين أدركوا سر الخطاب
.. كلهم مرَّوا من هنا
.. صيفاً وخريفاً وشـتاء
.. فليت شعـري وليت الطير تخبرني
كيف الذهاب .. ومتى الإياب ؟
..
.
مصيبتان في الحياة أن تعطيك ما تريد والثانية ألا تعطيك " .. أحقاً ما تقول يا اوسكار وايلد ..؟
..
.
.. !مصيبتان
! أن تعطيك الحياة ..أو ألا تعطيك
سيان؟
أحقاً لا خيار؟.
إما النار وإما البحر؟
إذن فيم العناء؟
أللسعادة نسعى؟
أم الشقاء؟
هل الفقر أولى أم الغنى؟
ومن هم أحباب الله؟
الزاهدون الذين هجروا الحياة ؟تمثَّلوا معاني الربِّ وارتدوا ثوب الرجاء؟
.. أم المترفون الأغنياء
الذين أخذوا المعاول ..شيَّدوا الأرض لتصير زرعاً وخضرة ..؟
أعمراً وعلياً وسعدا ؟
أَم سوسن وهيثم وغيداء ..؟
أم أنها الخيارات الوسطى ..واعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا ..؟
أم أنها الدنيا تسعى بأرجلٍ شتّى؟
.. أم
أم أنها المقارنة الخرقاء؟
..
.
قلَّ ما تأتي تلك الأفراح التي ننتظرها في محطة
..
.
الأفراح .. وما الأفراح؟
أهي السعادة؟
أهي الحبيبة ذات العيون النجلاء؟
وارتجاف القلب واضطراب المدى؟
أهي الموت على الرموش ..بين أبيض العين والمساحات السوداء؟
أو إغفاءة على صدرٍ ناهدٍ وحضن يدين ..وشفاهٍ وأنفاسٍ وانتشاء ؟
أهي الدعة والنعماء ..وأملاك وقصور وحدائق غنّاء؟
أهي العافية والشفاء؟أهي التضحية ومعاني الفداء ؟
أهي السخاء وذاتية العطاء؟
أم هي الحقيقة الكبرى ..أقمار الرب ودرب الأنبياء ؟
الذين أمسكوا النور ..هزّوا الريح ومشـوا على الماء ؟
أم لا هذا ولا ذا ؟
أم كل هذا وذا ؟
أم لا حقيقة ولا ارتواء؟
أم حتى يأذن الرب في سماواته العلا ؟
..
.

وقلَّ ما يجيء أولئك الذي يضربون لنا موعداً . فيتأخر بنا أو بهم القدر
..
.
أهو الانتظار أم هو الاكتواء؟
أهو الرحيل أم هو البقاء؟
لمن جاء أم لمن مضى؟
للقلب أم للعقل .. للآتين أم الراحلين على ريح الصبا؟
لنا أم لهـا؟
للعدوة الدنيا أم النائية القصوى؟
لمن يا ترى؟
من خاض العثرة واتَّـقَى؟
من شرب الجرعة الأنقى؟
من تبلل وارتوى؟
من يعرف الأسماء؟
أم أننا والريح سواء؟
نأتي ونمضي بلا انتهاء؟
أم أنها القوافي الشوهاء؟
قاب قوسين إذا زدنا احترقنا ..وتلك "الحدود الحمراء"؟
أم أننا كالطير والفضاء ..لنا الأرض وجوف السماء ؟
أم أنها الحقيقة من فرط جلائها لا ترى؟؟؟؟؟؟؟؟
..
.
الحياة تحاصرني .. مناخي صحراوي وجواري جبل .. يقتسمان ندائي وما تبقى من أمل
..
.
.. الحياة
قدر أم قضاء؟
داء أم دواء؟
إرادة أم رضا؟استجابة أم نداء؟
.. يا قبضة الأرض
.. أتيناك أفواجا
.. مطراً وأمواجا
.. ورياحاً هوجاء
.. امتطيناك برَّاً
.. ركبناك بحراً
.. أدمنّـا الرحيل في عينيك
.. عشقناك فاتنة سمراء
قولي .. أسراب أنتِ أم دوحة فيحاء ..؟
أظل أنتِ أم بقعة رمضاء ..؟
هل خيراً اخترنا ..أم جهلاً ركبنا السفينة الخرقاء؟
.. أم ليس لنا إلا ما هو كائن هنا
.. أم أنها الخيارات العلا
.. والإرادة الأسمى
.. كطفلٍ ووالدٍ وصيَّا
.. ودنيا إن لم تكن جديرة بالحياة
.. ما اختارها الله لنا سقياً وريَّـا
.. بلى
هل يحق لي أن أتساءل ؟ أن أرجو ارتحال جيوش الرياح البربرية من نافذتي ؟ وأن أضع دمعتي على وسادة حانية
..
.
.. ملأى جيوب الحياة
.. بالجروح والدموع والدماء
أ بلاء أم ابتلاء ..؟
بلسم أم شفاء ..؟
.. أهي الروح واللظى
والنيران التي تزيد الذهب التماعا ..؟
.. أم أننا وما اقـترفنا
.. أم أنه الجهل والغباء
.. أم أنه الوقت الذي لم يأتِ ..والشمس التي لم تشرق أنوارها
.. فالطفل يشقى
.. والثوب يبلى
.. والعمر يفنى
فما الغاية .. وما المعنى؟
.. بلى ..لله الخيارات الكبرى
.. ولله ما أخذ وما أعطى
.. قد يؤذينا كثيراً ما نرى
.. ولكننا ننسى أن الربَّ أرحم منا وأولى
..
.

ألست أنا مجرد نبتة متوحشة تعيش على صخرة مهملة ؟

..

.

ومن أنا؟

بل ما أنا؟

وإلى أين؟

أ كماً بلا جدوى ؟

أ كوكباً تائهاً أعمى؟

أم جرماً فيه العالم انطـوى ؟

فيه السر والحقيقة العظمى ؟

من أنا؟وكيف أصبح يوماً أفضل من ملاكٍ شهد وأطاع وأسلما ؟

وكيف الجنان استحقها ..وأنا العاصي من بذنبه احتمى ؟

وهل النيران استحقها ؟

وهل يعذِّب مَنْ إطلاقه الرحمة والمغفرة ؟من أنا؟

أهي المرة الأولى؟أم هذي "نسخة" أخرى ؟

وهل لي عودة بعدها ؟وأين وكيف يا ترى؟

.. يا ساقي السحاب ..يا مفجِّر البحر والثرى

.. اسقِ قلبي علماً

.. واملأ بصري نورا

.. وأعني يا ألهي

.. وألهمني يقيناً وحبورا

.. وأسكني عندك رحمةً

.. واقبلني طائعاً مختارا

..

.


أتراني جميلة في هذه القفار؟
..
.
.. لا شك أنك جميلة
.. لكن .. كبئر معطَّلة لا تعبرها القوافل
.. كزهرة لم يرها البستاني أو تجاهل
.. كقصرٍ مهمل
.. بلا أمير ولا أميرة
.. بلا جند ولا حراس ولا وزيرة
.. كعروس رحل فارسها يوم الزفاف
.. وضاع الخاتم والفستان و"الحريرة"
يا حسرة .. من يأسى لعينيك؟
.. من يضع قبلة على خديك؟
..من يسأل؟ومن يعود بالأمل؟
.. أم أنها القفار والسواحل المستحيلة؟
.. يا مدارات الشمس ..ويا أيتها المنابع القاحلة
..أيعود يوماً ذاك الذي يرحل ؟
.. أيورق الصبَّار ؟
.. أيزهر الجسد الناحل؟
.. أم أنها الأقلام قد رفعت وجفت الصحف؟
.. ولم يبقَ إلا الدموع والأحزان والأسف؟
.. من يجهل .. ومن يعرف؟
.. هل قَدَرٌ أن أموت كالشجر؟
.. لا ذكرى ولا أثر؟لا خيرٌ ولا شر؟
.. لا برٌ ولا بحر؟
.. أم أنها اليد الخفيَّة
.. التى تعلم ما اختفى وما ظهر
.. وما تقدم وما تأخر
.. وما تراه أنت خيراً وهو شر
.. وما تدخره لك ليومٍ أغـر .
.. وما تنعمه عليك من بدائل
.. ومن قناعة وصبر
.. وتبقي أنتِ جميلة ..رغم المنافي .. والآمال المستحيلة
..
.

الوجود .. الحقيقة والوهم


وهذا العصفور ..أعشقه .. يزورني دائماً عند نهايات المواسم .. عند بداية حصادي الخواء .. وفياً جداً للذكرى ..
.
وهذا العصفور
أهو الطبيعة تعتذر ؟
أهو نسمة أخطأت أرضها ؟
مصيرها الهروب والفرار ..؟
أهو حلم جاء ليلاً وسيرحل مع بوادر النهار ..؟
أم هو الرحمة التي تدرك الأخيار والأشرار
وتذكار بأن الحياة حلو ومر ..؟
أم هو القلب الذي يتسع كل يومٍ أكثر
لنسمة قصـيَّة
لشيء مجهول الملامح والثياب والهويَّة
لزائر ملاك
له القلب والنبض والشتلات الصبيَّة ..أهو ذا؟
أم أنها المهالك والأوهام الشقيَّة ؟
أم أنه نداء الله والحقائق الأبديَّة؟
أهو ذا؟
أم أنه صوت الروح
وما تسمعه الأذن الصماء
وما تراه الأعين العمياء
أم هو ما باحت به الأسرار والشواهد الخفيَّة؟
أهو ذا؟أم هو حزن آخر
ورحيلٍ وافتراقٍ لمودعٍ إن تأخر اليوم ..فهو على ظهر المواخر ؟
..
.

.. قرنفلة الربيع

لغة الربيع لغة تشبه مرورها وهي تتوشح قصيدة مطرَّزة بقمر وابتسامة وغمازتين .. مشهد زهرة برية وغزالة لا يتنازعهما مارثون الصراع
.. لغة تمنح قواعدها استراحة من أوجاع الحركة والسكون .. مثلما تستريح ليلى من أسـف قديم بدمعة مؤجلة
.. لغة بمزاج طاولة وعاشقين وكأس حليب
.. لغة الربيع مزاج يتجاوز الحزن والوجع والمبررات البائسة
..
.. الربيع فلسفة العشق ..والعشق هو فلسفة الوجود
.. الفل والياسمين والغاردينا والكرز وزهر الليمون هم صبايا الربيع
.. والحق والخير والجمال .. والحرية والعدل والمساواة .. هم صبايا الفلاسفة
الربيع هو زهور سقراط وأرسطو وديكارت وسبينوزا وروسو وهيجل .. والعقل من أجل ربيع الحياة ..وهو العودة الأبدية لأصول المعاني ورسائل السماء
.. الربيع عبير الفن .. وشذى شكسبير وصراعه مع الذين ينالون الخزي بانتصاراتهم الشريرة
.. الربيع فلسفة الانسان .. والانسانية هي ربيع الأرض العاشقة
..
هي عاشقة الربيع ..هناك كانت تنتظرنا بفستانها الملائكي كسحابة بيضاء هبطت من سماءٍ كريمة ..جاءت في زمان القحط فاستحالت اللحظة الجافة إلى بركة .. والآهة لموَّال ..جاءت على غير وعـد كزغرودة في حي فقير .. كبسمة في وجه استهلكته الأحزان .. أو رعشة حب تأخرت به المقادير ..أفقدتنا رياحُ الصيف الذاكرة فلم نعد نتذكر سحر القصيدة .. ولون الظلال في عينيها .. ودرجة الحرارة في سواحلها .. الآن .. وبعودة الربيع واستقامة الشوارد .. نعود نبحث عن العاشقين .. وذاكرة والبحر والرياحين .. وعن كيف يتساوق عبق العشق وملمس الطين
..
.. هي عاشقة للربيع ..ومن يعشق الربيع .. يصنع الربيع
.. فهي تعيش بأخلاق الربيع .. وترسم لوحاتها بريشة الربيع .. وتكتب رسائلها برحيق الورود
ليست أميرة مسافرة في سفينة فينيغية .. معطَّرة الأشرعة .. ولا تبحث عن سواحل سريالية .. ومدن بابلية وحدائق معلَّـقة .. وجمهورية أفلاطونية .. وسور عظيم ..بل مهيرة سودانية .. تحلم بحمائم تحلَّق في الغرب .. بأشجار الشاي تتعالي في الجنوب .. باصطياف في أركويت والرقبة وحلوت .. بالقاش وستيت .. بالشواطئ الرملية والصخرية .. بتاجوج ..مهيرة سودانية
دلالها وجدان أسمر .. وفستانها بلون النيل .. مناديلها برائحة الحناء والبرم والعليق .. وهِمَّـتها شاهقة بطول التاكا والاماتونج وجبل مرة
.. تحب أزهار النرجس .. ولا تعرف النرجسية وحب الذات
النرجس زهرة رقيقة .. والنرجسية غربة عقيمة (اسطورة النرجس اسطورة إغريقية خلدها أوفيد في الأساطير اليونانية ..هام الرجل عشقاً بحب نفسه .. رأى صورته على صفحة الماء .. رفض مغادرة الضفة .. فخافت عليه آلهة الأولمب .. فحوَّلته إلى زهرة تعيش بجوار النهر )
.. لذا فهى نرجسية الهوى .. وليست نرجسية المأوى
.. تحب الشعر .. ولا تحب الشعراء الغاوون
.. سفيرة للنوايا الحسنة ..وشاحها ليس أحمراً بلون المريخ .. ولا أزرقاً بلون الهلال .. بل أخضراً بلون بلادي
..
.
.. التحية لها .. قرنفلة الربيع
.. العباسية .. رجاء العباسي
..
.

.. العيد

.. يأتيك العيد
.. يمتد الشوق لحمةً وسداة
.. يقتلك الحزن أصيلاً وغداة ..
.. خفِّف ضوءك أيها النجم البعيد

كنت قد أتيت .. تحمل كفاً وأحلاماً ثقالاً وتركت خلفك الأشجار والوديان والبلد الأمين .. كان ذلك منذ زمنٍ بعيد .. ثم يا هداك الله - ها قد انزويت في ركن غير رشيد .. وها قد أتاك العيد ولم يجدك .. أو إن شئت غير أسيفٍ عليك .. قل لم تأتِ وغابت عنك هاتيك الأعياد .. وغابت عنك الطرقات والضحكات وتمزقت في أجوائها راياتك البيضاء وصمتت تلك الدعوات الصالحات . .. وفي عقوقك ستصليك السياط ولن يسمع أنينك المدى ولن تبكي عليك الباكيات


.. يأتيك العيد
.. فأما الأحبة فالبيداء دونهم
.. فليت دونك والعيد بيداً دونها بيد

.. يأتيك العيد .. ولن يجديك الهتاف
.. "يا المشاوير المشيتك .. يا المشارع السالكة وينك
.. بالي فيك إلا درب العيشة باعد بيني بينك"

.. يأتيك العيد .. وقد وضعت كل ذات شوقٍ شوقها
.. وأرضعت كل ذات ضرع طفلها
.. ووحدك من يلعق الجرح ويعتصر الجفاف

.. يأتيك العيد
.. ولن تنسيك "مايا أحزانك الكربلائية"
.. فيا هذا هوِّن عليك

العيد هو رياح الحزن الجافة التي تهب من وديان الذكريات الرطبة .. إذ لم نكن في أفواج الحجيج وهي تطوف بالبيت العتيق ..
: ولم نكن من سرب العصافير وهي تغرد في الديار .. حظنا هكذا في هذا البيت المهجور أن نغني بصوتٍ خفيض
.. بتطلعي إنت من غابات ومن وديان )
.. ومني أنا
.. ومن صحية جروف النيل مع الموجة الصباحية
.. ومن شهقة زهور عطشانة فوق أحزانها متكية
.. بتطلعي إنت من صوت طفلة وسط اللمة منسـية
(طبول بتدق .. وساحات لي فرح نوَّر وجمَّل للحزن ممشى

.. ولكن رغم هذا
.. العزاء كل العزاء .. أن هناك أناس يفرحون نفرح لفرحهم
.. وأن هناك ملايين الأكف مرفوعة بالدعاء .. أن يحفظ الله وطناً يتحسس أطرافه عسى أن تكون على قيد الحياة
.. وأن يشفى ملايين الجراح التي تنزف بلا شفاء
.. وأن يهدى قوماً يتصارعون على جسد مسجي بين الموت والحياة

.. ربما
.. غافلت غيابي المقيم
.. وسرقت ضوء سراجي الليلي
.. لتضئ حجرتي عفواً بعيدها السليب
.. ربما
.. ناديت أثري في ذلك الرمل القديم
.. ليمشي مرة أخري .. فتمشي في ناحيتي الأيام
.. ربما ..وربما صادقت حزناً كريم
وكل عام وأنتم بخــير
..
.
.

Saturday, January 12, 2008

.. تايتنك

.. الحياة صراع
.. صراع مع تضاريسها الوعرة ومناخها الجاف
.. مع وحوشها الكاسرة ومع حسانها الغيد
.. مع يمينها الواهـب .. ويسارها الغاصِـب
.. لقاء معقَّد ومتشابك كنا قد حملنا أمانته بظلمٍ بائن وجهـلٍ فاضح .. وهي رحلة شاقة .... وتلك أقدارنا ولا مفر
تايتنك هو صراع الحياة وطابعهـا المأساوي التي لو علمنا فيها لضحكنا قليلاً وبكينا كـثيرا .. صراع مع طبيعتها القاسـية من زلازل وبراكين وفيضانات ورياح وأمراض وفقر وفقد وحرمان .. صراع مع حقائقهـا وغموضـها وأباطيلها .. هو صراع همنجواي العجوز مع البحر .. صراع هيرمان ميلفايل وموبي ديك .. هو صراع الأزل والمصير .. وكان قدر هؤلاء القوم أن يصارعوا الموت وجهاً لوجه كمن يصارع أسـداً في غابة .
الحياة لا تتركنا وإن تركناهـا .. فهذا "دي كابريو" كان يتمتع بالشباب والحيوية وفتوة الأحلام .. كان يمشـي في استقلال وثقة وكبرياء .. يتشاجر ويحتسي الويسكي ويلعب القمار .. وينام في نهاية اليوم قرير العين مطمئن البال .. ولكن الحياة لم تدعه حتى تكتمل دورتهـا وتتكامل أقدارهـا .. فتعرّف على "كيت وينسليت" الفتاة الأرستقراطية الفاتنة .. فعرف الويل والليل والسهر والحمي .. فصار يلقي بنفسـه في ظهر السفينة "هو والنجم والمساء" .. كان يرمي جسده منهكاً خائر النفس والقوى .. أصبح صاحب قضية ورسالة أدًّاها بمنتهى الإقـدام والشجاعة وقدم حياته ومات متجمداً بجوار حبيبة تستحق التضحية والفـداء .. مات شهيداً وطوبى للشهـداء ..
كل دور إذا ما تم ينقلـب .. وكل أمـر الدنيا إلى نقصان .. فالفتاة الفاتنة التي تشبة لؤلؤة من لآلئ البحر أو قطرة من ندى أو شعاعاً من الفجر .. الفتاة التي كانت تنضح بالجمال والحياة .. انتهت في نهاية المطـاف إلى تلك العجـوز التي مشـت عجلات الزمـن على جسدها الناضج فاستحال رغم مسحة الجمال الخفية إلى تجاعيد وحفر وجفـون متهـدلة .. فأصبحت كزهـرة ذابلة جفت أطرافهـا وبهتت ألوانهـا بعد أن أدت رسالتهـا وألقت ثمرتهـا ..أعـربت تلك العجـوز بعد كل ذلك العمـر عن دفين حبها وصادق وفائهـا لذاك الرجـل الذي أخـذ عمره الغض كلَّه ليضيفه إلى عمـرها ويرحـل بابتسـامة راضية تركهـا ذكري في عينيهـا .. رحل راضـياً فأخذت ذلك الرضا وعاشت به طوال حياتها راضية كأنه يعيش بجوارهـا وينظم خطـواتها ويضخ في شرايينها الأمل والحياة .. عاشت تراه ذات الشاب بجماله ووسامته
.. وشجاعته
هكــذا انهالت أمواج الزمـن .. وفرغـت من شؤونها الأقـدار .. وغاصت تايتنك في أعمـاق المحيط .. مثلما غاصت آلاف الروايات غـيرها وابتلع البحر الحكاية وألقى بحصـاد التجربة والمـثال مثلما تبتلع الأرض كل يوم الشباب والطموح والأحلام ولا يبقى إلا الذكـر والاعتبار .. وهكـذا نريد والله يريد .. فإن فعلنا ما يريد كفانا ما نريد .. وإن لم نفعل ما يريد تعبنا فيما نريد ولا يكن إلا ما يريد ..
هذا ودمتم في رعايته ..والســـــــــلام ..
"أمهلوني حتى انتهى من التحديق لجوٍ رجَّ فيَّا صمت السنوات"
محمد الشيخ
.. مدينته عاصمة ساحلية
.. تزدهي عبر الأعـوام
.. نسقتها يدٌ ماهرة
.. اكتسبت حكمة السفن الفينيقية
.. وفلسفة المدن الأغريقية
.. وتاريخ البحـار
.. مدينته قلعة على النيل
.. تقرأها موجة .. قصيدة .. ورواية فكتورية أنيقة الفصول

.. من واد مدني حاضرة الجزيرة الفيحــاء
.. جاء مضمخاً بأريج المحبة ونداوة الشتول
.. محمد الشيخ الباذخ بالمعاني والنشـيد
.. قل لي يا صديقي
.. كم عامـاً قطعـها العاشقـون إليك
.. كم نجم تردد في المدى
.. وألقي بريقه في راحتيك
.. كم نهر شربتَ صفاءه
.. كم قمر أهداك بهاءه
.. وكم فجـر خصَّـاك بالجديد

.. محمد الشيخ
.. موسيقي يعشق الموسيقى والشعر والبحر وقبلهم مدني وفوقهم الســـــودان

Thursday, January 10, 2008

.. وحدها


..
.
وحدها
وحدها من يزرع الإشراق في دربي .. فأحصد صدق أحلامي
وحدها من تألف ساريتي نسائمها فأنسى حَـرَّ أيامي
وحدها من يكتب حرفي على سطر خاطرها بأقلامي
وحدها
لا بعدها
من يبقيني على معنىً ..فأعبر بحرَ أوهامي
..
.
.. يا ابنة النيلين .. يا معنى وجودي ويا عدمي
.. إذا مدَّ قوح قزح جناحيه في الآفاقِ
.. فاعلمي أنني صدقاً إلى روحك انتمي
.. وإذا ماجت رعود المخاطر في عالمي
.. فإنني أماناً وحباً بدرعك احتمـي
.. وإذا ناحت حمائم الأيك ساعةً
.. فتلك أصواتي إليك وأنغامي
..
.







.. صقــــر الجديــان



..

.

أخي علاء الدين تمبس

.. نحيلة هي أجسادنا ترتدى قفطانا كبيراً من الانتظار

.. واسعة هي الأماكن لكنها لا تتسع لـ آهة

.. عالية غنية الهضاب .. لكننا نحس معها بالفقر والتضاريس الموحشة

.. تلك هي الجغرافيا في أعالي نجد

.. وأنت أدري بنجد

فكيف نقيم؟ وأي الغيوم نروم؟

حدَّثتني يوماً بأننا عندما نلتقي .. نستشرف الأرض الـ"هناك" .. الأرض التي تحتفي بأشكالنا .. وتحتفظ بوجوهنا .. وتغفر لنا العقوق

.. والجنوح

.. رغم أن الصحاري قد أشبعـتنا غيابا ..ونحن نبحث عن حضور في ملامحنا الضائعة بجوار زهرة الوقت الذابلة

إذ لم نعد نتذكر عريشة العنب على مدخل البيت القديم .. ولا الجهنمية المتفتحة على امتداد السـور ..لم نعد نتذكر شجرة النيم وهي ترسل عبقها .. ولا السمبريات وهي تعود "المغربية" بعد نهار طويل

.. انزوى "فرنكش" في ركن قصي من الذاكرة

وتلاشت ملامح "عم هارون" وهو ينظف الشـوارع (وينظف معها قلوب الناس) ..ويغني لأطفال المدرسة .. ..يضحكون .. فيضحك الصباح

.. ها نحن .. والرحلة .. ونافذة القطـار ..ورؤية تحاول أن تهزم تعب الأيام الراحلة

وها أنت رغم المحطات الشحيحة ..تطل من شرفاتك على سهـول الحياة .. كصقر الجديان ملكاً على الحقول ..والتفاتة
تروي حكاية (السنونو المهاجر والوردة الطالعـة)..(وخلفك ظلان يتحـدان في عناق
.. هناك .. حفرت فوق جذع الشجرة ابتسامتك الصافية فأثمر" تفاحـاً
..
.

.. وتبقى أنت نقياً كالندى ..مورقاً كالخريف ..مغرداً في شاطئ العصافير

..

.

كل الود ..ونلتقي ..

..

.

Wednesday, January 9, 2008

.. لقــــاء

(صلاح أحمد البشير(شتات
في حـوارات الســنين
أجـراه دكـين
..
.
صلاح شتات ذلك الكائن المقيم في قمم المدن الخرافية .. يحـاور النهار ليقـيم صلحـاً مع نجـوم الليل المتمــردة على قـوانين الإنتمـاء .. يصـادق البحار التى عاصـرت سقـراط وأفلاطـون وارسـطو وديكارت وكانط ونيتشـه.. ابن سينا والفارابي وابن رشـد .. ابن عربي والجنيد .. يعشـق النسمـات التى هبَّت من وادي عبقـر وبادية الشـام والبطـانة والكبابيش .. يبحـث عن الحقيقة الغائبة في ركـام التاريخ وسجـلات الأيـام المجهـولة وضباب السـنين المقبلة . صلاح شتات من الكائنات المصـنوعة من طين التاريخ ومزروعـة في مشـاتل الحـياة .. يؤمن بالحرية ويكفـر بالقـيود ..التقينا به وكان لنا معـه هذا الحـوار
صلاح شـتات بينما هناك شاعرا حريفا ينبش في دواخلك فانك تبدو شحيحاً متضامنا مع الصمت بالجوار ..لو انك في جوار اكثر وعيا وإدراكا هل كنت ستكون اكثر تدفقا ؟
..
ما كنت شـاعراً والشعـر أكبر من أن أنتســب إلـيه والقصـيدة أجمـل من كلمـاتي .. لكـني أتمـنى أن تكـون من بنـاتي .. فقـد حلقـت والقصـيدة كثيراً .. بكـينا سـويَّا .. وأصـابنا الحـزن سـويا .. وكم كفكفتْ دمعـي بمناديلهـا .. وكم مسـحتٌ بأناملي خـدّيهـا ، بيني وبينها صداقـة قديمـة وعشـق مقيم .. هي الحبيبة التي لا تنسـى أطلال الذكـرى .. ولا تخلـف مواعيد الفجـر .. وتترك دومـاً في راحـتي دفـئاً لا تمنحـه الشمــس
..
صلاح شتات وملامـح التجربة الشعــرية ؟
إن كانت هناك تجـربة شعــرية فهـي كلمـات في رحلـة في الكـيان الغـائب والوجـدان الحالم بعـوالم أكـثر إشـراقـاً .. والإبحـار لسـواحل تبـدو حـيناً وتنأى أحـياناً كثيرا .. وهـي أوراق ملفوفـة بسـوليفان المشـاعر وسـتائر القـلب .. هـى دروب كالشـرايين تخـرج بنـور الأمـل وشـوارع كالأوردة تعــود بملـح الحـياة .... إن كانت هـناك تجـربة شعـرية فيمكنني فقط أن أقـول عنهـا كمـا قيل
..
هذا بعض الذي أجـرته نفسـي جمعُ من شــتاتِ
ما لجمـاله حرصي عليه ولا ليكون ذخـراً للرواةِ
لكني أرى فيه وجهـى كل يوم وألمح فيه بعــض ذاتـي
..
.
جامعة الخـرطوم مـاذا كانت ؟ أشعـار شكسبير التى أغـوتك من خلال إقتحامـك قاعـات شعبـة اللغـة الأنجلـيزية بالرغـم من إنتمائـك لكليـات علمـية .. دوري الكليـات .. فاعلـية الإبـداع الموسمـي .. المنتديـات الثقـافية .. الجرائد الحائطـية .. كافتيريـا النشـاط .. كيف شكلتك هذه التجـارب وأينـهـا من تلك المـلامـح ؟ مطـالب بما تيسـر من تلك الجـلالة المقتبسـة من ملحمـة شكسـبير لمدرجات الشـرقي .. وطيري يا قمرية ركي واعملي في الشرقي ربا ؟
..
.
جامعة الخرطـوم كانت وما زالـت .. وكنا وما زلنـا نحبهـا كما أحبت الأرجنتين "ايفيتا براون" .. كما أحبت أمريكـا "مارلين مونرو" .. وكما أحب العالم الليدي "ديانا سبنسـر" .. ففي قاعـاتها تعلمنا الدنيـا وتفتحت عيوننا على معاني الحياة .. وفي عيونهـا تعلمـنا العشق والسهـر والحمى .. وفي ممراتهـا عرفنـا إيقـاعـات الزمـن المربع والتواريخ المكعـبة .. ومن قبة سمائهـا نفـذنا ببصـرنا إلى الله .. مواسمهـا الثقـافية .. وجـرائدهـا الحائطـية كانت كأسـواق العـرب وشعـرائها الأماجـد والصعـاليق وكعـبة طوافهـا ومعلقـاتها التواريخ .. وكافتيريـا النشـاط وذلك العجـيج العاصف كانت كأيام العرب الأولـي وحروب القـرون .. الثـورة .. الأيديولوجـيا .. القـومية .. الإلـه .. الحـق .. الحقيقـة .. محمد جلال .. معاذ خـيَّال .. حاج ماجـد ، لا يمكن أن تخـرج بريئـاً من هذه السـنين !دوري الجـامعة كان مسـرحاً آخـر للصـراع وبمثلمـا يكون التنافـس قويـاً داخـل الملعـب هناك أيضـاً تنافسـاً آخـر في المدرجـات .. حتى شكسـبير لم يكن غائبـاً ونحـن نقتبـس من ملاحمه في الأناشـيد والجلالات الكـروية وما تقتضـيه روح التنافـس الراقـي .. تلك الملاحم التى تعلمناها ونحن نسـترق السمـع في شـعبة اللغـة الانجليزيـة ونتسـور مكتباتهـا ونسـرق كلمـاتها وأدبها الانجليزي والأمريكي والأفريقـي وندّعـي وصلاً بـ اليوت وشكسـبير واجيبي وسوينكا
..
An (Education) army awful arrayed
Boldly, bedizen, butter (Centrates)
(Kabeer) commandos cannonading come
Dealing, destruction, desolation, doom
..
.
جامعـة الخرطـوم هي المرجـع مهما طالت رحال المعرفـة
وهي المنبع وإن طال بالنهـر المسـير
..
.
تجربة سودانيزاون لاين ؟
هـو الجامعة مرة أخـرى .. نفس الملامح و" فتنة التوب الأنيق" .. واللهفة والشـوق والجـنون .. نفس النهـارات والعصاري والأماسـى .. نفس ممرات الزهـور .. وجداول العـبير .. وكافتيريات الوعـود والشجــن .. نفس القاعـات ومواسم الحصـاد وقناديل المعرفـة ..على الحزن العميق افترقـنا .. وعلى الحب الكبير إلتقـينا
..
.
ارتبـط اسمـك بصديقـك العزيـز أبوذر المطـر .. جورج بنيوتي .. بلقـيس .. دريمـز .. يا بت يانيل .. تورطـت في دغـل الياسمـين في حـوش بكـري وانسـاب منك الشعـر مدهشـاً .. لا ينتمي هذا السـؤال إلى أي من فصـائل الخـبث ولكـن هـل كنت ستكـون أكـثر تورطـاً في ذلك الدغـل لو أنهـم في جـوارٍ أكثر قـرباً ؟
..
.. هم الفـل والياسمـين والقرنفـل وكلمـات الورد المكـتوبة بالـندى
.. هم البحـر والغـيوم وعصـافير الجـنة والنهـايات العصـيَّة على المـدى
.. هـناك التقـينا ..عـند منصـــة الأشــواق .. ودفـاتر الدهشـــة القديمـــة
.. هناك كانت السمـاء حلمـاً قريبــاً ..وكانت الطقــس حبيبــاً وسيمـا
.. كانت الشمـس عروس تمشــي بسـيقانهـا الكريسـتالية
.. وترسـل ضفــائرهـا في حـياء
.. كان كفـها غضــاً متوهجـاً بالحناء
.. مخضــباً بالأمل
.. مهــيأً للأعـياد
.. وذات جفافٍ تركـنا ذلك الوادي
.. فارقــنا شجــرة التذكــار
.. تركناهـا بين صـيفين ومطــرٍ عاق وريحٍ عــقيم
.. ومرة أخـرى .. جـوار الشمـس انتهـينا
.. قاب كلمتين أو أدنـى
.. مرة أخـرى
.. على الصخــرة اليتيمـة قبالة الشـاطيء المقدس
.. التقـينا ..عند قـوس الفجـر إذا شـاء أو على رمش الأصـيل إن شـئنا
.. وتلك الرعشــة الأولـى
.. وهـذيان الحمـى
.. وقفــزة القلــب خارج مواعـين الإنتظــار
.. هم دومـاً بالجـوار .. على الأثـير .. وفي قـوافي الإعـتبار
..
.
يظـل الشعـراء يا صلاح موغلين في مواسـم الشعـر وفخـاخ الياسمـين إلى أن تفاجـئهم السـنين .... ألـم تحـن بعـد’ مواسـم الدلكـة عند صـلاح شـتات؟
..
حـتى من بين خـيام الشِـعر وحقـول الياسمـين حتمـاً سـتفاجـئنا السـنين .. إذ لابد من أوان الدلكـة وإن نأت أشـرعة القرمصيص .. لابد من زغـرودة العمـر وثـوب الزفـاف الملائكـي وإن أصـبح كسـحاب أبريـل الأبيـض الرحَّـال .. لابد من الهـلال الذهـبي والحـريرة البنفسـج وضـريرة الأم الـرؤوم .. حتمـاً سـتفاجـئنا السـنين ..
.. بلقـاءٍ شـبه محـال
.. بإمـرأةٍ ضـوء
.. بعثٌ وحياة
.. كون
.. غرسٌ ونبات
.. من معطى الخيال
.. إمـرأة كالبرتقال
.. شبه محال
.. رعشة
.. لحظة دهشة
..ذات
.. جمع وشتات
.. من خيط النور الرباني
.. من فوق الأفق الإنساني
.. عمـرٌ آت
..
.
واؤلئك المتعبون اصدقاؤك؟
.. بيننا وبينهـم صبح مسجى برحيق الرغبة والتواصل
.. وخطى باركتها معالم الطريق والقمر
.. بيننا العمر يزدهر
.. يزهو موكب الأيام
.. يقوى معنى الوجود يكــبر
.. بيننا النيل والتراب والنخيل
.. الأرض والانسان
.. بيننا الـبر والنهـر
.. وذلك المركـب الورقي الذى أرسلناه الى الجـزيرة
.. وحفنة التراب التي وضعناها عليه لمقام الأميرة
.. وذلك التذكار الذي كتبناه في كف البحــيرة
.. .. ذلك العصفــور
.. وتلك الحمامــة
.. وذاك البحـر
والحبيبة .. ؟
في تقاطع أشعة العيون
عند تعامد شمس الرؤية في خط الروح الاستوائي
في جنوب الشجـون
عندما ترتاح الشمس في القطب الشمالي
في مقرن النيلين
نتكئ على خط الطول العابر لمدينة الخرطوم
عند مطلع الفجر
بعد قراءة الفاتحة وسورة يس
في بريق الضحي
وقبل زوال اليقين
عندما تختفي الشمس في برج الحنين
في هدأة الليل
.. وعندما نغفو في سكون
..
.
ذاكرتنا من اشعار السودانيين تكفي لاكثر من عمرٍ ..نحن بلا منازع امة تؤلف بليغ احاسيسها من ثنايا لغة قاصرة .. قصيدة بالغت في مكوثها بذاكره صلاح ؟
من القصائد العظيمـة قصيدة باللهجة العامية في رثاء الراحـل اسماعـيل حسـن كتبها الدكتور محمد بادي يقـول في أحـد مقاطعــها
رحيلك
رحيل كل الغيوم الهامعة متواترات
رحيل كل السـهول العـامرة بالخيرات
رحيل الطينة من طرف الجـذر يومات
رحيل الخضـرة من قدام منجـل الهدام جفاف وممات
رحيل البادية فوق برقـاً ورا نجيمـات
رحيلك ما رحـيل إنسـان
رحـيل أجـيال رحيل بلداً تمـام وكمـال
يا العرجـت في نخل السواقي الشـال واتمددت فوق النيل من الشلال وللشـلال
يا الهاجرت فوق ريش الرهـو رحّـال
تظـل مرسوم على باب الليالـي سؤال
بعد عشعشت في خاطر الغبش مـوّال
بعد عرقك ضرب في التراب محل ما شال
واتمددت غادي وجاي يمين وشمـال
بعد الحال منو اليقـدر يجيب غربـال
يغربل روحـك المبثوثة في الأجـيال
في نفس الدغـش مبثوثة
في الشـتلة ونداها السـال
..
.
بيت شعـر خالد .. ؟
أحبهـا والشـيب شـاملُ فرعَهـا .. كعهـدي به إذ كان وهو بهـيم
كتبه الراحـل البروفسير عبد الله الطيب وفاءاً لزوجـته الأنجليزية بعد أن بلغـت من العمر عـتـيّـا
..
.
القصيدة العامية .. الشعـر الكلاسيكي .. القصيدة الحديثة ؟
الشعـر تعبير عن إنفعـال أو وصـف لحـال .. واللغـة أداة الوصـل والتعبير .. والقصـيدة العامية أو القـديمة أو الحديثة هي إنفعـال وتعبير ذات زمانٍ وذات مكـانٍ وذات إنسـان .. وما بين العامية والحديثة هو ما بين اللغة في عامتهـا وخاصتها .. بين بسـاطتها وتعقـيدها .. بين حسـها وتجـريدهـا .. كما أن ما بين القصـيدة القديمة والحديثة هو ما بين اللغـة والعمـر والتكوين ومراحـل التطـور كأي كائن حي .. ويبقـى السـر في شـباب العـبارة .. في جمـال مفاتنهـا .. وفي قـدرتها على إختراق جدران الزمـان ..
..
.
الوحش والحسـناء .. الشرير والبرتقـالة .. الـورد والشــوك .. ؟
هـي جدلـية الإمكـان والمسـتحيل .. والصـراع بين "نعـم" والقائلـين "لا" .. بين الوجـود وتمـزيق العـدم . فعندمـا يكـون الوحش هو حضـن الحسـناء الآمن .. والشـرير هو حصـن البرتقـالة .. والشـوك هو درع الـوردة .. فذلك إخـتلال في جـوهر الإنتمـاء أو جهـل بقـيم الأشـياء .. أو تجـاذب النوافـر في اسـتاتيكـا العواطـف المسـتحيلة .. أو ربمـا هو الشـر يجرجـر أذيالـه أمام طلائع المـدن الفاضلة ..
..
.
وأين أنت .. ؟
أنا في درج الانتظار
بين عمق المدى
وزرقة الأنهاروعلى شفـا هـاوية من سكون
أتوشـح اللحظةَ العطشى
أمسـح الآفاق
أرنـو لهمس الريح
أعانق المـدار
وأرتقـب قوارب الخيال
لعـلي أتوه
..
.
وآخـر قصـيدة .. ؟
يقـول مطلعـها
مطـر الروح دمعـة شوقــك
رشَّـة تبلل صبحـك
لهفـة بتحضن ريدك
وردة وطـل خطـوات الناس ايقـاعات ذاتك
همسـك .. صوتك ..عبق النسـمة وعطـر الصندل
..
.. البت الزهـرة .. رحـيق الشـارع فرع الريـدة المـيَّل
فرح الناس الماشـة السـوق
أولاد الروضـة
دروب الحـلة
وجع الناس الطـالع ونازل
..
.
كلمة أخـيرة ؟
دمـتم وعلى مـرافيء الـود نلتقـي ..
ولك عميق الود يا دكين
..
.
.
.