(صلاح أحمد البشير(شتات
في حـوارات الســنين
أجـراه دكـين
..
.
صلاح شتات ذلك الكائن المقيم في قمم المدن الخرافية .. يحـاور النهار ليقـيم صلحـاً مع نجـوم الليل المتمــردة على قـوانين الإنتمـاء .. يصـادق البحار التى عاصـرت سقـراط وأفلاطـون وارسـطو وديكارت وكانط ونيتشـه.. ابن سينا والفارابي وابن رشـد .. ابن عربي والجنيد .. يعشـق النسمـات التى هبَّت من وادي عبقـر وبادية الشـام والبطـانة والكبابيش .. يبحـث عن الحقيقة الغائبة في ركـام التاريخ وسجـلات الأيـام المجهـولة وضباب السـنين المقبلة . صلاح شتات من الكائنات المصـنوعة من طين التاريخ ومزروعـة في مشـاتل الحـياة .. يؤمن بالحرية ويكفـر بالقـيود ..التقينا به وكان لنا معـه هذا الحـوار
صلاح شـتات بينما هناك شاعرا حريفا ينبش في دواخلك فانك تبدو شحيحاً متضامنا مع الصمت بالجوار ..لو انك في جوار اكثر وعيا وإدراكا هل كنت ستكون اكثر تدفقا ؟
..
ما كنت شـاعراً والشعـر أكبر من أن أنتســب إلـيه والقصـيدة أجمـل من كلمـاتي .. لكـني أتمـنى أن تكـون من بنـاتي .. فقـد حلقـت والقصـيدة كثيراً .. بكـينا سـويَّا .. وأصـابنا الحـزن سـويا .. وكم كفكفتْ دمعـي بمناديلهـا .. وكم مسـحتٌ بأناملي خـدّيهـا ، بيني وبينها صداقـة قديمـة وعشـق مقيم .. هي الحبيبة التي لا تنسـى أطلال الذكـرى .. ولا تخلـف مواعيد الفجـر .. وتترك دومـاً في راحـتي دفـئاً لا تمنحـه الشمــس
..
صلاح شتات وملامـح التجربة الشعــرية ؟
إن كانت هناك تجـربة شعــرية فهـي كلمـات في رحلـة في الكـيان الغـائب والوجـدان الحالم بعـوالم أكـثر إشـراقـاً .. والإبحـار لسـواحل تبـدو حـيناً وتنأى أحـياناً كثيرا .. وهـي أوراق ملفوفـة بسـوليفان المشـاعر وسـتائر القـلب .. هـى دروب كالشـرايين تخـرج بنـور الأمـل وشـوارع كالأوردة تعــود بملـح الحـياة .... إن كانت هـناك تجـربة شعـرية فيمكنني فقط أن أقـول عنهـا كمـا قيل
..
هذا بعض الذي أجـرته نفسـي جمعُ من شــتاتِ
ما لجمـاله حرصي عليه ولا ليكون ذخـراً للرواةِ
لكني أرى فيه وجهـى كل يوم وألمح فيه بعــض ذاتـي
..
.
جامعة الخـرطوم مـاذا كانت ؟ أشعـار شكسبير التى أغـوتك من خلال إقتحامـك قاعـات شعبـة اللغـة الأنجلـيزية بالرغـم من إنتمائـك لكليـات علمـية .. دوري الكليـات .. فاعلـية الإبـداع الموسمـي .. المنتديـات الثقـافية .. الجرائد الحائطـية .. كافتيريـا النشـاط .. كيف شكلتك هذه التجـارب وأينـهـا من تلك المـلامـح ؟ مطـالب بما تيسـر من تلك الجـلالة المقتبسـة من ملحمـة شكسـبير لمدرجات الشـرقي .. وطيري يا قمرية ركي واعملي في الشرقي ربا ؟
..
.
جامعة الخرطـوم كانت وما زالـت .. وكنا وما زلنـا نحبهـا كما أحبت الأرجنتين "ايفيتا براون" .. كما أحبت أمريكـا "مارلين مونرو" .. وكما أحب العالم الليدي "ديانا سبنسـر" .. ففي قاعـاتها تعلمنا الدنيـا وتفتحت عيوننا على معاني الحياة .. وفي عيونهـا تعلمـنا العشق والسهـر والحمى .. وفي ممراتهـا عرفنـا إيقـاعـات الزمـن المربع والتواريخ المكعـبة .. ومن قبة سمائهـا نفـذنا ببصـرنا إلى الله .. مواسمهـا الثقـافية .. وجـرائدهـا الحائطـية كانت كأسـواق العـرب وشعـرائها الأماجـد والصعـاليق وكعـبة طوافهـا ومعلقـاتها التواريخ .. وكافتيريـا النشـاط وذلك العجـيج العاصف كانت كأيام العرب الأولـي وحروب القـرون .. الثـورة .. الأيديولوجـيا .. القـومية .. الإلـه .. الحـق .. الحقيقـة .. محمد جلال .. معاذ خـيَّال .. حاج ماجـد ، لا يمكن أن تخـرج بريئـاً من هذه السـنين !دوري الجـامعة كان مسـرحاً آخـر للصـراع وبمثلمـا يكون التنافـس قويـاً داخـل الملعـب هناك أيضـاً تنافسـاً آخـر في المدرجـات .. حتى شكسـبير لم يكن غائبـاً ونحـن نقتبـس من ملاحمه في الأناشـيد والجلالات الكـروية وما تقتضـيه روح التنافـس الراقـي .. تلك الملاحم التى تعلمناها ونحن نسـترق السمـع في شـعبة اللغـة الانجليزيـة ونتسـور مكتباتهـا ونسـرق كلمـاتها وأدبها الانجليزي والأمريكي والأفريقـي وندّعـي وصلاً بـ اليوت وشكسـبير واجيبي وسوينكا
..
An (Education) army awful arrayed
Boldly, bedizen, butter (Centrates)
(Kabeer) commandos cannonading come
Dealing, destruction, desolation, doom
..
.
جامعـة الخرطـوم هي المرجـع مهما طالت رحال المعرفـة
وهي المنبع وإن طال بالنهـر المسـير
..
.
تجربة سودانيزاون لاين ؟
هـو الجامعة مرة أخـرى .. نفس الملامح و" فتنة التوب الأنيق" .. واللهفة والشـوق والجـنون .. نفس النهـارات والعصاري والأماسـى .. نفس ممرات الزهـور .. وجداول العـبير .. وكافتيريات الوعـود والشجــن .. نفس القاعـات ومواسم الحصـاد وقناديل المعرفـة ..على الحزن العميق افترقـنا .. وعلى الحب الكبير إلتقـينا
..
.
ارتبـط اسمـك بصديقـك العزيـز أبوذر المطـر .. جورج بنيوتي .. بلقـيس .. دريمـز .. يا بت يانيل .. تورطـت في دغـل الياسمـين في حـوش بكـري وانسـاب منك الشعـر مدهشـاً .. لا ينتمي هذا السـؤال إلى أي من فصـائل الخـبث ولكـن هـل كنت ستكـون أكـثر تورطـاً في ذلك الدغـل لو أنهـم في جـوارٍ أكثر قـرباً ؟
..
.. هم الفـل والياسمـين والقرنفـل وكلمـات الورد المكـتوبة بالـندى
.. هم البحـر والغـيوم وعصـافير الجـنة والنهـايات العصـيَّة على المـدى
.. هـناك التقـينا ..عـند منصـــة الأشــواق .. ودفـاتر الدهشـــة القديمـــة
.. هناك كانت السمـاء حلمـاً قريبــاً ..وكانت الطقــس حبيبــاً وسيمـا
.. كانت الشمـس عروس تمشــي بسـيقانهـا الكريسـتالية
.. وترسـل ضفــائرهـا في حـياء
.. كان كفـها غضــاً متوهجـاً بالحناء
.. مخضــباً بالأمل
.. مهــيأً للأعـياد
.. وذات جفافٍ تركـنا ذلك الوادي
.. فارقــنا شجــرة التذكــار
.. تركناهـا بين صـيفين ومطــرٍ عاق وريحٍ عــقيم
.. ومرة أخـرى .. جـوار الشمـس انتهـينا
.. قاب كلمتين أو أدنـى
.. مرة أخـرى
.. على الصخــرة اليتيمـة قبالة الشـاطيء المقدس
.. التقـينا ..عند قـوس الفجـر إذا شـاء أو على رمش الأصـيل إن شـئنا
.. وتلك الرعشــة الأولـى
.. وهـذيان الحمـى
.. وقفــزة القلــب خارج مواعـين الإنتظــار
.. هم دومـاً بالجـوار .. على الأثـير .. وفي قـوافي الإعـتبار
..
.
يظـل الشعـراء يا صلاح موغلين في مواسـم الشعـر وفخـاخ الياسمـين إلى أن تفاجـئهم السـنين .... ألـم تحـن بعـد’ مواسـم الدلكـة عند صـلاح شـتات؟
..
حـتى من بين خـيام الشِـعر وحقـول الياسمـين حتمـاً سـتفاجـئنا السـنين .. إذ لابد من أوان الدلكـة وإن نأت أشـرعة القرمصيص .. لابد من زغـرودة العمـر وثـوب الزفـاف الملائكـي وإن أصـبح كسـحاب أبريـل الأبيـض الرحَّـال .. لابد من الهـلال الذهـبي والحـريرة البنفسـج وضـريرة الأم الـرؤوم .. حتمـاً سـتفاجـئنا السـنين ..
.. بلقـاءٍ شـبه محـال
.. بإمـرأةٍ ضـوء
.. بعثٌ وحياة
.. كون
.. غرسٌ ونبات
.. من معطى الخيال
.. إمـرأة كالبرتقال
.. شبه محال
.. رعشة
.. لحظة دهشة
..ذات
.. جمع وشتات
.. من خيط النور الرباني
.. من فوق الأفق الإنساني
.. عمـرٌ آت
..
.
واؤلئك المتعبون اصدقاؤك؟
.. بيننا وبينهـم صبح مسجى برحيق الرغبة والتواصل
.. وخطى باركتها معالم الطريق والقمر
.. بيننا العمر يزدهر
.. يزهو موكب الأيام
.. يقوى معنى الوجود يكــبر
.. بيننا النيل والتراب والنخيل
.. الأرض والانسان
.. بيننا الـبر والنهـر
.. وذلك المركـب الورقي الذى أرسلناه الى الجـزيرة
.. وحفنة التراب التي وضعناها عليه لمقام الأميرة
.. وذلك التذكار الذي كتبناه في كف البحــيرة
.. .. ذلك العصفــور
.. وتلك الحمامــة
.. وذاك البحـر
والحبيبة .. ؟
في تقاطع أشعة العيون
عند تعامد شمس الرؤية في خط الروح الاستوائي
في جنوب الشجـون
عندما ترتاح الشمس في القطب الشمالي
في مقرن النيلين
نتكئ على خط الطول العابر لمدينة الخرطوم
عند مطلع الفجر
بعد قراءة الفاتحة وسورة يس
في بريق الضحي
وقبل زوال اليقين
عندما تختفي الشمس في برج الحنين
في هدأة الليل
.. وعندما نغفو في سكون
..
.
ذاكرتنا من اشعار السودانيين تكفي لاكثر من عمرٍ ..نحن بلا منازع امة تؤلف بليغ احاسيسها من ثنايا لغة قاصرة .. قصيدة بالغت في مكوثها بذاكره صلاح ؟
من القصائد العظيمـة قصيدة باللهجة العامية في رثاء الراحـل اسماعـيل حسـن كتبها الدكتور محمد بادي يقـول في أحـد مقاطعــها
رحيلك
رحيل كل الغيوم الهامعة متواترات
رحيل كل السـهول العـامرة بالخيرات
رحيل الطينة من طرف الجـذر يومات
رحيل الخضـرة من قدام منجـل الهدام جفاف وممات
رحيل البادية فوق برقـاً ورا نجيمـات
رحيلك ما رحـيل إنسـان
رحـيل أجـيال رحيل بلداً تمـام وكمـال
يا العرجـت في نخل السواقي الشـال واتمددت فوق النيل من الشلال وللشـلال
يا الهاجرت فوق ريش الرهـو رحّـال
تظـل مرسوم على باب الليالـي سؤال
بعد عشعشت في خاطر الغبش مـوّال
بعد عرقك ضرب في التراب محل ما شال
واتمددت غادي وجاي يمين وشمـال
بعد الحال منو اليقـدر يجيب غربـال
يغربل روحـك المبثوثة في الأجـيال
في نفس الدغـش مبثوثة
في الشـتلة ونداها السـال
..
.
بيت شعـر خالد .. ؟
أحبهـا والشـيب شـاملُ فرعَهـا .. كعهـدي به إذ كان وهو بهـيم
كتبه الراحـل البروفسير عبد الله الطيب وفاءاً لزوجـته الأنجليزية بعد أن بلغـت من العمر عـتـيّـا
..
.
القصيدة العامية .. الشعـر الكلاسيكي .. القصيدة الحديثة ؟
الشعـر تعبير عن إنفعـال أو وصـف لحـال .. واللغـة أداة الوصـل والتعبير .. والقصـيدة العامية أو القـديمة أو الحديثة هي إنفعـال وتعبير ذات زمانٍ وذات مكـانٍ وذات إنسـان .. وما بين العامية والحديثة هو ما بين اللغة في عامتهـا وخاصتها .. بين بسـاطتها وتعقـيدها .. بين حسـها وتجـريدهـا .. كما أن ما بين القصـيدة القديمة والحديثة هو ما بين اللغـة والعمـر والتكوين ومراحـل التطـور كأي كائن حي .. ويبقـى السـر في شـباب العـبارة .. في جمـال مفاتنهـا .. وفي قـدرتها على إختراق جدران الزمـان ..
..
.
الوحش والحسـناء .. الشرير والبرتقـالة .. الـورد والشــوك .. ؟
هـي جدلـية الإمكـان والمسـتحيل .. والصـراع بين "نعـم" والقائلـين "لا" .. بين الوجـود وتمـزيق العـدم . فعندمـا يكـون الوحش هو حضـن الحسـناء الآمن .. والشـرير هو حصـن البرتقـالة .. والشـوك هو درع الـوردة .. فذلك إخـتلال في جـوهر الإنتمـاء أو جهـل بقـيم الأشـياء .. أو تجـاذب النوافـر في اسـتاتيكـا العواطـف المسـتحيلة .. أو ربمـا هو الشـر يجرجـر أذيالـه أمام طلائع المـدن الفاضلة ..
..
.
وأين أنت .. ؟
أنا في درج الانتظار
بين عمق المدى
وزرقة الأنهاروعلى شفـا هـاوية من سكون
أتوشـح اللحظةَ العطشى
أمسـح الآفاق
أرنـو لهمس الريح
أعانق المـدار
وأرتقـب قوارب الخيال
لعـلي أتوه
..
.
وآخـر قصـيدة .. ؟
يقـول مطلعـها
مطـر الروح دمعـة شوقــك
رشَّـة تبلل صبحـك
لهفـة بتحضن ريدك
وردة وطـل خطـوات الناس ايقـاعات ذاتك
همسـك .. صوتك ..عبق النسـمة وعطـر الصندل
..
.. البت الزهـرة .. رحـيق الشـارع فرع الريـدة المـيَّل
فرح الناس الماشـة السـوق
أولاد الروضـة
دروب الحـلة
وجع الناس الطـالع ونازل
..
.
كلمة أخـيرة ؟
دمـتم وعلى مـرافيء الـود نلتقـي ..
ولك عميق الود يا دكين
..
.
.
.