Friday, February 8, 2008

.. غادة


القيادة بإهمال في طرقات الزواج

.. الأخت غادة

.. وصلت إلى مكتبي اليوم متأخراً على غير العادة
صيف الرياض حارق هذه الأيام .. درجة الحرارة في الصباح تتجاوز الأربعين درجة مئوية
تتكثف ذاكرة السنوات في ذهني .. تتجمع .. وتتلاقي أشجارها وأزهارها وتضاريسها .. وتضج عصافيرها لزيارة قريبة إلى وديان طال عنها الغياب
.. السودان
الوطن الواحد .. مراتع الصبا وحقول الذكريات
بخاطر مشحون بأشواق السفر .. دخلت مكتبي .. خففت خناق ربطة عنقي .. وأخذت نفساً عميقاً .. وابتسمت رشوة لليوم الجديد
كل يوم نأتي للعمل مثل يومنا الدراسي الأول بجسد ثقيل وهم كبير ويكاد المرء يصرخ ويقول "عايز ماما" زي ما بقول أنيس منصور
.. الحياة تقيدنا بسلاسل كثيرة
.. وتغرينا بمباهج كثيرة
.. ترهيب وترغيب
.. رحيق وحريق
.. عسل وأشواك

دخلت سودانايل .. قرأت السواقة بإهمال في طرقات الزواج .. وغادة عبد العزيز خالد .. (أختنا وصديقتنا الحنونة) .. عنوان موسيقي رائع يذكرني بلوحات التنبيه والمعالم الجميلة في الطرقات السريعة "أمامك منحنى" .. "خفف السرعة" .. "أكرم الطريق يكرمك الطريق" .. تذكرت التعامل الخشن مع الرقائق والتناول الفظ للقيم النبيلة .. تذكرت المحاذير والخطر وإشارات المرور والراغبين في دهاليز ذلك المشوار
تذكرت أمي وسؤالها المتكرر .. متى يا بني ستحملنا في قطار الفرح؟
.. كنت دائماً أقول لوالدتي
.. "يا حاجة أنا أعشق حريتي .. ولا أحب المغامرة في طرقات ربما لا تحتفي بقدومي وربما لا تكرم وفادتي
كنت أقول لها إنني أحمل قلباً رحيباً وحباً ربما يسع كل هذه الدنيا .. لدى ألف أغنية للحياة ومليون فكرة لأشكال الفرح .. ولكنني أخشى الطرقات المجهولة .. ولا أحب أن أكون ظالماً تطارده لعنات العدالة والضمير .. كما لا أحب أن أكون مظلوماً يرتوي بدمعه وينظر بمنظار الذكريات الأسود
لا شك أنني أتطلع "لامرأة نخلة تمنحني معني أن أحيا" .. نمضي معاً نصفف الورد في حديقة الحياة .. ولكن كيف لقاؤنا ؟
:قولي يا أمي لعصفورة في المجهول
.. آسف أديك احساس الزول الخايف
.. آسف .. وبس لو تعرف
.. انك شمسي الغايبة وحقيقة ظلي الزايف
.. آسف وبس لو تعرف انك عزمي الضائع
.. وشراعي الممدود للريح والبحر العاصف
.. شايف
.. شايف كيف بتوسد حزنك واعزف
.. بس .. آسف
.. لكن من دونك تبقى الدنيا لفايف
.. محروقة بي نار الوقت التافه
.. نبقى الليل الطوَّل وواقف
.. وتبقى القمر المالي الدنيا وما بنشاف

وحتى ذلك الحين بلِّغي يا أمي تحياتي لكل العصافير؟ "
..
.
.. تعرفي يا غادة
كثير من الناس لا يعرفون قيمة ما يملكون ويخونهم التقدير السليم .. فيرون الضفة الأخرى هي الأجمل زي ما الخواجات بقولوا

Its always green on the other side of the hill ..
.. كثير من الناس تأخذهم الأنانية .. وينسوا أن الحياة أحلى في العطاء
أسوأ الظروف تلك التي تفرض نفسها عليك ولا تستطيع التحكم في مساراتها .. تلك التي تطوي الدروب المستوية كالحبال وتخنق بها أمكانية الأمل
.. يحزنني الذين يزرعون النسيم ويحصدون العواصف
.. تحزنني الشتول اليانعة التي تجف في مزارع اللئام
.. تؤلمني دموع الظلم في الخدود البريئة
.. ويؤلمني أن أصدق "أن الدنيا محكمة لا عدل فيها"

.. نعم
.. إنها القيادة بإهمال ليس في طرقات الزواج فحسب .. بل في كل طرقات الحياة

.. شكراً غادة على تلك المقالة الرائعة
.. واللعنة على الذين يغتالون الفراشات التي تحلق في فضاءاتها البنفسج
.. والتحية للأوفياء الذين يزرعون كل يوم وردة في بستان الحياة
..
.

No comments: