Saturday, January 12, 2008

.. تايتنك

.. الحياة صراع
.. صراع مع تضاريسها الوعرة ومناخها الجاف
.. مع وحوشها الكاسرة ومع حسانها الغيد
.. مع يمينها الواهـب .. ويسارها الغاصِـب
.. لقاء معقَّد ومتشابك كنا قد حملنا أمانته بظلمٍ بائن وجهـلٍ فاضح .. وهي رحلة شاقة .... وتلك أقدارنا ولا مفر
تايتنك هو صراع الحياة وطابعهـا المأساوي التي لو علمنا فيها لضحكنا قليلاً وبكينا كـثيرا .. صراع مع طبيعتها القاسـية من زلازل وبراكين وفيضانات ورياح وأمراض وفقر وفقد وحرمان .. صراع مع حقائقهـا وغموضـها وأباطيلها .. هو صراع همنجواي العجوز مع البحر .. صراع هيرمان ميلفايل وموبي ديك .. هو صراع الأزل والمصير .. وكان قدر هؤلاء القوم أن يصارعوا الموت وجهاً لوجه كمن يصارع أسـداً في غابة .
الحياة لا تتركنا وإن تركناهـا .. فهذا "دي كابريو" كان يتمتع بالشباب والحيوية وفتوة الأحلام .. كان يمشـي في استقلال وثقة وكبرياء .. يتشاجر ويحتسي الويسكي ويلعب القمار .. وينام في نهاية اليوم قرير العين مطمئن البال .. ولكن الحياة لم تدعه حتى تكتمل دورتهـا وتتكامل أقدارهـا .. فتعرّف على "كيت وينسليت" الفتاة الأرستقراطية الفاتنة .. فعرف الويل والليل والسهر والحمي .. فصار يلقي بنفسـه في ظهر السفينة "هو والنجم والمساء" .. كان يرمي جسده منهكاً خائر النفس والقوى .. أصبح صاحب قضية ورسالة أدًّاها بمنتهى الإقـدام والشجاعة وقدم حياته ومات متجمداً بجوار حبيبة تستحق التضحية والفـداء .. مات شهيداً وطوبى للشهـداء ..
كل دور إذا ما تم ينقلـب .. وكل أمـر الدنيا إلى نقصان .. فالفتاة الفاتنة التي تشبة لؤلؤة من لآلئ البحر أو قطرة من ندى أو شعاعاً من الفجر .. الفتاة التي كانت تنضح بالجمال والحياة .. انتهت في نهاية المطـاف إلى تلك العجـوز التي مشـت عجلات الزمـن على جسدها الناضج فاستحال رغم مسحة الجمال الخفية إلى تجاعيد وحفر وجفـون متهـدلة .. فأصبحت كزهـرة ذابلة جفت أطرافهـا وبهتت ألوانهـا بعد أن أدت رسالتهـا وألقت ثمرتهـا ..أعـربت تلك العجـوز بعد كل ذلك العمـر عن دفين حبها وصادق وفائهـا لذاك الرجـل الذي أخـذ عمره الغض كلَّه ليضيفه إلى عمـرها ويرحـل بابتسـامة راضية تركهـا ذكري في عينيهـا .. رحل راضـياً فأخذت ذلك الرضا وعاشت به طوال حياتها راضية كأنه يعيش بجوارهـا وينظم خطـواتها ويضخ في شرايينها الأمل والحياة .. عاشت تراه ذات الشاب بجماله ووسامته
.. وشجاعته
هكــذا انهالت أمواج الزمـن .. وفرغـت من شؤونها الأقـدار .. وغاصت تايتنك في أعمـاق المحيط .. مثلما غاصت آلاف الروايات غـيرها وابتلع البحر الحكاية وألقى بحصـاد التجربة والمـثال مثلما تبتلع الأرض كل يوم الشباب والطموح والأحلام ولا يبقى إلا الذكـر والاعتبار .. وهكـذا نريد والله يريد .. فإن فعلنا ما يريد كفانا ما نريد .. وإن لم نفعل ما يريد تعبنا فيما نريد ولا يكن إلا ما يريد ..
هذا ودمتم في رعايته ..والســـــــــلام ..

No comments: