.. في رحلته الخالدة .. يمضي النيل بعمق التاريخ .. إلى محطته الأخيرة في الأراضي السودانية
.. هناك تصفق أمواجه وتلوِّح مراكبه بأشرعة الوداع في حلفا القديمة
هنا كان لحلفا شرف وداع النيل معبأ بنسيم وملامح السودان ومحملا برسالة إلى بحار العالم عنوانها جئتكم من "الخرطوم" بحبٍ عظيم
.. ومع المجتبى في نعيه نردد نحن في وداع النيل
.. هات لي منظار حدثك والتجلي
.. والنبوءات المبنية والصفاء
.. وحين ينكشف الغطاء
.. من لي برؤياك الحبيبة ..غارقا في النور ..في غيب السماء
.. في مدى الصحراء منداحا
.. وفي الغاب المموسق .. من زئير الأسد .. والريح الغضوب
.. همهمات الوحش والطير المغرد واللعوب
.. وشوشات الغصن أو همس الحفيف
.. وبمثلما ودَّع أهل حلفا النيل ليواصل رحلة الخلود ..كانوا قد ودعوا حلفا القديمة إلى حلفا الجديدة
.. هكذا .. وداع .. في وداع .. لا ماء يروي .. ولا نداء يجدي .. ولا لقاء
ودعوا نبتة .. ترهاقا .. وبعانخي .. فارقوا النيل والصحراء ..مسحوا دموع موتاهم في قبورها .. دفنوا ذكرياتهم ..حملوها حفنة من تراب .. إلى حلفا الجديدة
جاءوا .. الي المزارع والخضرة وهواء المطر .. ولسان حالهم يقول أيلطف النيران طيبُ هـــواء
